نشر المقال على موقع جدلية باللغة الإنجليزية وترجمه إلى العربية يوسف حداد
لعقود ٍ خلت، لعب القانون الدولي للإحتلال – وهو يتفرع من قوانين الحرب (أو ما يسمى بالقانون الدولي الإنساني) – دورا ً محوريا ً في صياغة الحوار حول إسرائيل/فلسطين. ووفقا ً لما هو معمول به في الضفة الغربية وقطاع غزة، فإن قانون الإحتلال يوفر مجموعة من المعايير التي تخدم في تحليل سياسات اسرائيل القمعية والعنصرية، إضافة إلى بعض الممارسات الفلسطينية.
لعل الوثيقة الرسمية الأكثر إقتباسا ً في النقاشات حول إسرائيل/فلسطين هي معاهدة جنيف الرابعة التي يعتبرها الكثيرون إتفاقا ً مقدسا ً يكرس حدا ً أدنى من التعاطي الإنساني خلال الحروب. لكن مع إتضاح إستحالة التقسيم (ما يسمى بحل الدولتين) كسبيل ناجع لوضع حد ٍ للنزاع القائم، أصبح من الضروري فهم كيف يعرقل قانون الإحتلال التفكير والفعل الجماعيين.
لأكثر من أربعين عاما ً، عاش زهاء العشرة ملايين شخص بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط في ظل نظام ينتهج سياسة الفصل العنصري – وهو حكم دولة إسرائيل. وقانون الإحتلال في هذه الحالة لا يمثل فقط أداة لفهم هذا النظام، بل هو يساعد أيضا ً في شرعنة الحيز المكاني الذي يفرضه الإحتلال.
قانون تكريس الغيرية
منذ عام 1967 والمجتمع الدولي يطالب إسرائيل بتطبيق قانون الإحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة وأدان مرارا ً وتكرارا ً خرقها له. فقانون الإحتلال – وفق ما نصت عليه معاهدة جنيف الرابعة (1949) واتفاقية لاهاي (1907) – يفرض معايير تحدد سلوك أي دولة تسيطر على أراض ٍ تابعة ٍ لدولة أخرى جراء صراع مسلح ينشب بينهما. وهذه المعايير أكثر تفصيلا ً وتطبيقا ً، على الأقل نظريا ً، من غيرها في المواثيق والمعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وهي مصصمة لكي توازن ما بين أمن قوى الإحتلال مقابل حق الشعوب المحتلة. غير أنها تضع أسس النقاش المتعلق بالإحتلال عبر صياغة "قواعد اللعبة"، كحظر التعذيب، والعقوبات الجماعية، وتدمير الممتلكات بلا مبررات عسكرية. هذه القوانين تفرض واجبات على الدول، وبعضها تحمل أفرادا ً المسؤولية القانونية في حال خرقها (كارتكاب جرائم حرب على سبيل المثال).
اندلاع الإنتفاضة الأولى عام 1987 وضع الضفة الغربية وقطاع غزة في لب النضال الفلسطيني، وتمحور نقاش الدبلوماسيين، والناشطين، والأكاديميين حول أسئلة ثلاثة هي التالية: إلى أي حد ٍ يمكن لقانون الإحتلال تطبيقه في هذه الحالة؟ هل الممارسات الإسرائيلية تتفق مع الإطار العام لهذا القانون؟ وكيف بالإمكان أن نضمن تطبيق إسرائيل للقانون وإحترامها له؟ لكن عوضا ً عن الشروع في نقاش هذه الأسئلة التي مر عليها الزمن، دعونا نعيد النظر في مسوغات الموقف الذي أجمع عليه المجتمع الدولي وإنساق خلفه الفلسطينيون وحلفاؤهم.
إحتلال أراض ٍ أثناء الحرب لا يمثل إنتهاكا ً للقانون الدولي، لكنه يحظر ضمها بشكل أحادي. إذا ً قانون الإحتلال بصيغته الحالية يعالج هذه المسألة على أنها مؤقتة ويسعى للحفاظ على الوضع القائم سابقا ً بإنتظار حل ٍ للصراع وفق إتفاقية سلام أو أي ترتيب سياسي آخر. كذلك فإن معاهدة جنيف الرابعة تتفق مع قانون
الإحتلال الدولي في هذه المسألة إذ أنها تحظر، وبشكل ٍ قاطع ٍ، إستعمار الأراضي المحتلة، أي الأستيطان. غير أن مسوغات "الإحتلال المؤقت" تضمحل في قضية اسرائيل/فلسطين، ليس فقط لأن الإحتلال إستمر لمدة طويلة لا بل لأنه ينفذ مخططا ً لتغيير ديموغرافي في الأراضي التي يحتلها.
ولا يخفى على أحد أن قواعد قانون الإحتلال في اسرائيل/فلسطين ليست مطبقة، غير أنه يجب التيقظ لمسلمتين أساسيتين معتمدتين في مطلب تطبيق قانون الإحتلال وتؤديان مهمة سياسية، في الوقت الذي يتم صرف النظر عن المطلب نفسه. مسلمتان يترتب عليهما نتائج يجب أخذها في الحسبان.
المسلمة الأولى تعطي شرعية دولية لدولة إسرائيل، حدودها الخط الأخضر الذي ظل قائما ً حتى عام 1967، وهي تختلف عن حدودها مع الضفة الغربية وقطاع غزة [1]. أما المسلمة الثانية فهي أنه أقصى ما يتوجب على إسرائيل فعله هو توفير الحد الأدنى من المتطلبات اليومية لسكان هذه الأراضي: أي تأمين إحتياجاتهم الإنسانية والسماح بالتبادل التجاري، دون إلزامها بإقامة علاقات سياسة محددة أو إحترام مسؤولياتها. لكن، على الأقل، تبقى مسألة ضم الأراضي أحاديا ً، وبالتالي الجنسية، غير مطروحة للنقاش. إذا ً فلنسمي هاتين المسلمتين، مسلمتا الغيرية: غيرية الأرض، وغيرية الشعب. معا ً تستنخ هاتان المسلمتان فكرة الضفة الغربية وقطاع غزة وتجعل من سكانهما أناسا ً يقطنون في "الخارج"، مختلفون، وليسوا جزءا ً من إسرائيل.
قانون الإحتلال لا ينص على أي من هاتين المسوغتين، لكن إستخدامهما الشائع كإطار تحليلي ساهم دون شك في ترسيخهما. لذا فإن مطلب وقف الإستيطان وبناء الجدار الفاصل وفق قانون الإحتلال لا يمكن فصله عن الإطار العام للقانون الذي يقر ضمنيا ً بالطبيعة المؤقتة والغيرية للحالة القائمة. إحدى الأسباب التي تجعل
قانون الإحتلال مقبولا ً بشكل واسع هو إنسجامه مع ما يسمى ب"حل الدولتين"، إذ أنه يوفر لغة مشتركة بين القوميين الفلسطينيين، والصهاينة الليبراليين، والمجتمع الدولي. وبالفعل ففي ضوء حظر قانون الإحتلال للإستعمار، يمكننا إعتبار تطبيقه أمر حيوي لضمان قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة في الضفة الغربية وقطاع غزة.
تقسيم المخيلة
مسوغات قانون الإحتلال ومنها الغيرية، التي تفرضها الثنائية بين الأراضي المحتلة ودولة الإحتلال، لا تساعد في فهم واقع أساسي: منذ حرب 1967 والأراضي الفلسطينية التي كانت تحت الإنتداب البريطاني تخضع لسلطة واحدة. الخط الأخضر رسم حدود دولة إسرائيل للفترة الممتدة بين عامي 1949 و1967 اي قرابة ثلث حياة دولة إسرائيل. في الوقت عينه، لقد بنى الخط الأخضر مجموعة من العلاقات السياسية، والقانونية، والإقتصادية، والإجتماعية التي فككت كيان الضفة الغربية وحولت قطاع غزة إلى معتقل لربع سكان الدولة الأصليين.
واقع التمييز الذي يمارسه النظام بات معروفا ً، فهو يفضل اليهود أكانوا يعيشون داخل الخط الأخضر أو خارجه، داخل إسرائيل أو خارجها. وللحفاظ على هذه الميزات كان من المهم أيضا ً الحفاظ على التمييز ضد غير اليهود، الذي يقسّمون إلى فئات مختلفة وفق ترتيب جغرافي [2]. المقيمون داخل الخط الأخضر قد يحملون الجنسية الإسرائيلية (إزراهوت) ويتمتعون ببعض الحقوق، لكنهم يفتقدون حق الإندماج الذي توفره الهوية اليهودية (ليوم). بعد ذلك يأتي سكان مدينة القدس الذين يسمح لهم بالتنقل لكنهم محرمون من الجنسية، ثم سكان الضفة الغربية الذين يفتقدون الأثنتين، أي الجنسية والهوية، فسكان قطاع غزة القابعون في أسفل سلم الحقوق. أما بالنسبة لللاجئين فبالطبع هم لا يأخذون في الحسبان في إطار النظام القائم.
وفي حين أن قانون الإحتلال لا ينص على التقسيم كحل سياسي، لكنه في الوقت عينه يساهم في فهم وتحليل هذا النظام. فمسلمة غيرية الأرض المحتلة المضمرة في القانون تشجع على الإقرار بشرعية دولة إسرائيل ما قبل 1967 وتسلط الضوء فقط على الإستيطان والممارسات القمعية، وتصورها على أنها خروقات للإحتلال. عندها تُفصل هذه الخروقات عن الإطار الأشمل للقضية حتى وإن إعتبرها البعض ممنهجة. وبهذا يقتصر التركيز على الضفة الغربية وقطاع غزة، أي حوالي عشرين بالمئة من الوطن، وتترك الممارسات المماثلة اتي ترتكب داخل الخط الأخضر دون رقيب على إعتبار أنها مشاكل "داخلية" وفقا ً للقانون الدولي لحقوق الإنسان.
وفي الوقت عينه، النظرة الغيرية للشعب الخاضع للإحتلال تصبح سمة هذا النظام وليس فقط مسألة غير مفندة وخاضعة "للمفاوضات السياسية". إسرائيل تتمسك بمقولتها أن هناك أغلبية يهودية ديموقراطية داخل الدولة، رغم أن رفضها تحديد حدودها يزعزع أركان مبدأ "الداخل"، وبالتالي قضم الأراضي يقوض هذا الوهم. إذا ً نرى أن القيود الملازمة لقانون الإحتلال ضد ضم الإراضي قد أصبحت بمثابة تمويه متى عريناها من القدرة على كبح لجام الإستعمار. وبعكس ما قد يظنه المرء فإن إسرائيل لم ترفض يوما ً قانون الإحتلال بأكمله، رغم مهاجمة منظري اليمين له بذريعة الخطر الأمني، لكن المحامين العسكريين الإسرائيليين ما زالوا يستخدمون قانون الإحتلال إنتقائيا ً حين يخدم أهدافهم ومصالحهم.
ولهذا السبب يخاتل داعمو إسرائيل حين يسألون عن سبب عدم إعتبار التيبت أو الكشمير أو الشيشان أراض ٍ محتلة. قد تكون الصين، والهند، وروسيا أكثر طغيانا ً من إسرائيل، إلا أنها تمنح على الأقل الجنسية للشعوب المذكورة وتدعي السواسية معهم، الأمر الذي تتجنب إسرائيل فعله بأي ثمن. وهكذا فإن قانون الإحتلال يضع وفرة ً من المطالب لإحترام حقوق المدنيين الأساسية، لكن ما لا ينص عليه – ولا يمكن أن ينص عليه – هو المساواة في المواطنية مع الشعب الخاضع للإحتلال.
غياب السيادة والحكم المحلي
الحكم العنصري الذي وصفناه آنفا ً يتطور باستمرار مع "التغييرات على الأرض" التي تعيد هيكلة الواقع الجغرافي، كالجدار الفاصل، والحواجز ونقاط التفتيش، والطرقات الجديدة والمستعمرات. ولكشف الدور المحوري لمسلمات قانون الإحتلال، من المجدي مقارنة سياسات إسرائيل تجاه الحكم الذاتي المحلي مع تجربة بانتوستان في جنوب أفريقيا.
خلال العقدين الماضيين، إعتمدت إسرائيل على الإدارة المحلية وبشكل خاص على السلطة الوطنية الفلسطينية التيهي بمثابة حكم ذاتي يمتد في بعض المناطق الخاضعة لنفوذ حركة فتح في الضفة الغربية وحركة حماس في قطاع غزة. السلطة الفلسطينية تعرضت لانتقادات شتى بسبب تشريعها وتمديدها للإحتلال: فهي تدعي أنها تهتم لشؤون السكان المحليين، لكن إسرائيل ما زالت تمسك بزمام الأمور إذ أنها تمتلك القدرة على إملاء شروطها كيفما شاءت. وبهذا تحصل إسرائيل على الحد الأقصى من السيطرة والحد الأدنى من المسؤوليات: هم مسؤولون عن "مكافحة الإرهاب" في غياب أي حل ٍ سياسي أو حد ٍ أدنى لكيا الدولة.
منتقدو السلطة الفلسطينية غالبا ً ما يشبهونها بالبانتوستان في جنوب أفريقيا. فنظام الأبرتايد العنصري سعى للتصدي للإنتقادات الدولية لحكم الأقلية البيضاء عبر تركيز السكان المحليين في مناطق غير متصلة جغرافيا ً وإعلانها دولا ً مستقلة. كانت تسمى هذه الدول بانتوستان وكانت مساحتها الجغرافية صغيرة جدا ً، وفي أغلب الأحيان غير متصلة، تعتمد بشكل كامل على حكم الأبرتايد، تماما ً كالسلطة الفلسطينية. غير أن دول البانتوستان لم تحظ بإعتراف دولي رغم أن إسرائيل والتايوان دعمتها أمنيا ً وسياسيا ً وأقامت علاقات تجارية معها.
الرقع الجغرافية المبعثرة الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية تشبه بنواح ٍ كثيرة تلك التابعة للبنتوستان، لكن هناك فرق جوهري في ما يتعلق بالقانون الدولي (حتى وإن وضعنا جانبا ً المقاربة المختلفة تماما ً لقضية العمالة المحلية). ففي جنوب أفريقيا، الدولة كانت تسعى لتهميش جزءا ً من أرضها ونزع الجنسية عن رعاياها. القانون الدولي يركز بشكل كبير على الخلافات الناشبة حول ملكية الأراض لدرجة أنه لم يتطرق للدول التي تسعى للتخلص من أرض ٍ لها كما فعلت جنوب أفريقيا. غير أنه لم يكن بمقدور نظام الأبرتايد الإكتفاء بخلق "رقع ذات سيادية" داخل أراضيه بل كان عليه أيضا ً إقناع الدول الأخرى بإستقلال البانتوستان، والفشل في ذلك كان يعني أن على جنوب أفريقيا الحفاظ على إلتزاماتها تجاه هذه المناطق وسكانها، الأمر الذي حصل بنهاية المطاف.
لكن الوضع في إسرائيل/فلسطين يختلف عن قضية جنوب أفريقيا. فالغيرية في قانون الإحتلال تصنف قطاع غزة والضفة الغربية على أنهما أراض ٍ محتلة لا تقع ضمن دولة إسرائيل. فضلا ً عن ذلك، فإن هذه الأراضي تتمتع بوضعية خاصة وهي أنها "رقع ذات سيادة" بمعنى أنها لم تنتقل من وضعها كأرض ٍ مستعمرة إلى أرض ٍ تنتمي إلى دولة معترف بها.
ومن هذا المنطلق أصبح من السهل الإنعتاق من مسؤولية إيجاد حل سياسي لوضع السكان المحليين. فبعكس جنوب أفريقيا التي واجهت إنتقادات لمحاولتها نزع الجنسية عن مواطنيها، إسرائيل غير ملزمة بمنح جنسيات للشعوب التي تحتلها أو إعطائهم كيان سياسي.
أما على واقع الأرض، فجنوب أفريقيا كانت تحتاج من الدول أن تعترف بالبانتوستان، لكن دون جدوى، في حين نواجه في قضية إسرائيل/فلسطين سؤالا ً قانونيا ً أكثر لبسا ًً وهو إذا ما كانت هذه الأرض محتلة – سؤال لطالما تحول إلى تحليل ٍ للوقائع عوضا ً عن إلتزام ٍ بالمواقف. ف"الإنفصال" الإسرائيلي عن قطاع غزة عام 2005 طرح سلسلة من النقاشات حول الوضع القانوني لأراضي القطاع، حتى وإن واصلت بعدها إسرائيل ممارسة سلطتها من خلال توغلات عسكرية متكررة، وإدارة المرافق الأساسية، والسيطرة على الحدود والمجال الجوي. وبالرغم من أن إسرائيل لم تقنع العالم بأن إحتلالها للقطاع قد إنتهى إلا أنها نجحت في زرع الشك والبلبلة لتأمين غطاء سياسي يظهر العلاقة بين الجانبين على أنها علاقة ندية، بين دولتين متجاورتين تتبادلان القذائف والصواريخ. وبذلك فقد أعادة إسرائيل تعريف قطاع غزة من أرض ٍ محتلة إلى "أرض ٍ معادية"، مخفضة ً بذلك القيود القانونية في التعامل معه. هذا الأمر ساهم في شرعنة حملة القمع الهائلة التي مارستها، وكان منها تضييق الحصار وعدوان عام 2008-2009.
أما في ما يتعلق بشرعنة التمييز فلقد حققت إسرائيل أكثر بكثير مما كان يحلم بتحقيقه نظام الأبرتايد في جنوب أفريقيا. غير أن هذه الترتيبات في بنية الإحتلال قد أشاحت النظر عن سؤال آخر يكتسي أهمية كبرى وهو: لماذا على سكان بيت حانون شمالي قطاع غزة وسديروت جنوب إسرائيل العيش جنبا ً إلى جنب كجارين تحت سلطة حاكمة واحدة، لكن مع حقوق مختلفة تماما ً.
الخاتمة: على جبهات القانون
هدف هذه الدراسة ليس مهاجمة قانون الإحتلال أو أولئك الذين سعوا لفهمه وتطبيقه. المكاسب التي حققها هذا القانون غير قابلة للجدل، و لا نية لي بدحضه سيما وأنني عملت خلال العقد الماضي مع عدد من منظمات حقوق الإنسان. لكن أعتقد أنه علينا طرح أسئلة جادة بشأن هذا القانون – الذي تمت صياغته ثم تطبيقه في أوروبا بشكل رئيسي (وفي بعض مناطق السلطنة العثمانية وفي البوسنة والهرسك ومصر) – لمواجهة التحديات التي يطرحها الإستيطان الإستعماري الحديث.
وهذا التحدي ليس نظريا ً فحسب. فبعد عقود من المفاوضات العقيمة وإستعمار مستمر، إزداد الوعي بصعوبة الحل القاضي بالتقسيم لمعالجة صراع إسرائيل/فلسطين. البعض يحتفي بهذا الموقف على أنه خطوة نحو بناء دولة غير مستعمرة لجميع مواطنيها. آخرون يرثونه سواء لأنهم يريدون الحفاظ على المشروع الصهيوني أو لأنهم يخافون من إزهاق الأرواح والإستمرار في المعاناة. الهدف من وراء هذه الدراسة ليس توصيفا ً لزوال حل التقسيم بل هو القول بأن "حل الدولتين" تلاشى كخيار جدي، وأن الأوضاع الميدانية المتلاحقة باتت تطرح أسئلة قانونية ملحة علينا جميعا ً معالجتها.
من هذا المنطلق يمكننا رؤية كيف أن إسرائيل نجحت ببراعة في إرساء سلسلة من القواعد من جهة ومواصلة عملية إعادة التشكيل الديموغرافي للأراضي الخاضعة لسيطرتها. معالجة هذا الواقع يحتم علينا الذهاب إلى أبعد ما هو مجرد حفنة من القواعد الساكنة كقانون الإحتلال أو بضعة عناوين فضفاضة كخيار اللاسياسة أو التكنوقراطية. عوضا ً عن ذلك على المشرعين والقانونيين والناشطين الولوج في الإجابة عن أسئلة جوهرية كالإنتماء السياسي، والمسؤولية، والمساواة بشكل يحاكي التغييرات الميدانية التي يقوم بها هذا النظام. غايتي من وراء طرح القيود والعقبات أمام قانون الإحتلال في هذه الدراسة ليس إلا دعوة لفتح باب حوار جدي، حوار شائك لكن دون شك ضروري.
[1] هناك إشكالية في التسليم بالخط الأخضر كحدود دولية، لكني أعتقد أنه من الممكن إستخدامه كأساس منطقي للنقاش.
[2] التمييز بين اليهود أمر هو أيضا ً في غاية الأهمية لكنه لا يدخل في سياق هذه الدراسة، كذلك الحال بالنسبة لحقوق الأجانب المقيمين داخل الخط الأخضر.
[هذه المقالة مبنية على محاضرة ألقيت في جامعة فلسطين قسم القانون في غزة في الثاني من يوليو 2011]